منذ عدة أيام و بعد سنة و ثمانية أشهر من كتابتي مثال في المونيتور حول معرض أقيم في نيويورك لصور يهودية عراقية. تلقيت ايميل مع معلومات حول صورة من المعرض كنت قد نشرت تساؤلات حولها. صورة الزوجين التي وصفتها بدقة متناهية تظهر والدي أطال الله في عمرهم في سنة ال1959. أرسلها لي يائير دور من قرية ماتانا. في مايو 2003 اكتشف الجنود الأمريكان أرشيف سري في مركز الاستخبارات العامة لصدام حسين ، الأرشيف يضم كتب دينية يهودية نادرة و وثائق قديمة و صور كانت تعود ليهود الدولة العراقية. الأرشيف وجد في حالة يرثى لها في قبو متعفن. عضو عامل في البنتاغون باحث في شؤون الاسلام يدعى هارولد رولد لاحظ على الفور القيمة التارخية للأرشيف و أهمية الاحتفاظ به لذلك قام بالاتصال بالبيت الأبيض و أخذ موافقة من نائب الرئيس ديك تشيني على جلب الأرشيف الى الولايات المتحدة الأمريكية ليوضع في الأرشيف الوطني. و بعد أن تم تأمين الاثار تم عرضها مباشرة . عندما زرت المعرض لفتتني صورة لزوجين شابين في عرسهما محاطين بالعائلة و الكل سعيد. وصفت الصورة على الشكل التالي : شاب و شابة في عرسهما بجانبهم الراباي ممسك يد العريس محاطين بالأهل المتحمسين و العروس تمسك باقة ورد بيضاء، والدي لديهم صور تماماً كهذه و لكن هل يتعرف أحدكم على الذين في الصورة أعلاه ؟
انها صورة والدي ، أخبر دور المونيتور . لكن أصلها قد يخذلك ، لم تؤخذ في العراق بل في قرية اسرائيلية عام 1959 ، بعد ثماني سنوات من هجرة والدي الى اسرائيل
والد يئير موشيه دور، 87 عاما وصل الى اسرائيل قادما من العراق ضمن عملية عزرا ونحميا،و هي عملية نقل جوي نظمتها اسرائيل جلبت خلالها اسرائيل أعداد كبيرة من أبناء اليهود العراقيين خلال 1950-1952. جند في الجيش وخدم في سلاح الاتصالات، أولا كجندي ثم كمقاول مدني، حتى تقاعده في سن 65. زوجته، رينا، ، هاجرت إلى إسرائيل قبله. التقيا في إسرائيل واستقر في رمات غان، التي استوعبت المهاجرين العراقيين أكثر من أي مدينة أخرى في البلاد. عملت رينا لسنوات كسيكريتيرالمنظمة نسائية تابعة للهستدروت، حتى تقاعدت. كان للزوجان طفلين. يائير، وهو الأكبر، وهو جندي المهنية في جيش الدفاع الإسرائيلي
“كان والدي أول عضو من الجيل الثاني عائلتي ، أولئك الذين ولدوا في إسرائيل متزوج” يقول دور للمونيتور. “واحدة من أخوات جدتي سافرت من اسرائيل الى اسطنبول للقاء عم والدي، الذي بقي في العراق بعد أن هاجر كل المجتمع إلى إسرائيل، في عام 1951. وقالت إنها جلبت له صورة من ابن أخيه، والدي في زفافه. أخذ العم الصورة إلى بغداد معه.هكذا وجدت الصورة طريقها إلى أقبية صدام حسين بعد أن تم أسر كافة ممتلكات يهود العراق. هذه هي نظريتنا “.
يقول دور ، لا نعمل بعد من أي منزل و من أي عائلة في العراق أخذت هذه الصورة . الصورة معلقة في منزل والدي و كذلك في منزلي و منزل أختي كما أنها رمز الاتصال على هاتفي الجوال حين يتصل أحد والدي . بالطبع كنا متفاجأين لرؤية صورة والدي في هذا الأرشيف.. نعلم أنه كانت قد تت مصادرة معظم أموال العراقيين اليهود و ممتلكاتهم لكن رؤية هذه الصورة بالذات كان أمر مفاجأ لاسيما و أنها لم تؤخذ في العراق.
الحكومة العراقية و الأرشيف الوطني الأمريكي مازالوا في جدال حول أحقية امتلاك الأرشيف . الحكومة العراقية تصر عبر سفيرها في الولايات المتحدة على أنه يجب اعادة الأرشيف الى العراق من باب أنه لجالية عاشت على أرض العراق لقرون عديدة لذلك يجب أن يكون الأرشيف في أرض دجلة و الفرات لعرضه و ضمه الى الأرشيف الوطني العراقي رغم أنه لم يبقى أي يهود في العراق و أقارب دور كانوا اخر من غادرها و أحدهم عمه الذي هاجر الى بريطانيا في السبعينات و عمه الاخر الذي وصل لاسرائيل في العام 2000.
موريس شوهيت ابن الياس شوهيت و هو رئيس المنظمة العالمية ليهود العراق مستقر في نيويورك يقول : من الواضح أن الحكومة العراقية ترغب باستعادة الأرشيف من أمريكا . موريس يقول ان صورة زفاف أخيه عرضت بالخطأ حيث كانت في ألبوم صور خاص به و بطفولته في العراق . الا أن دور يؤكد على أن الخالة التي التقت بالعم الاخر في استنبول هي من أوصل الصورة الى الأرشيف . بغض النظر عن أن الصورة ليست بالعراق و ليست على شطان دجلة و الفرات الا أنها تحكي قصة يهود عاشوا في العراق لمئات السنين قبل أن يغادروها.
في نهاية لقائنا ، دلني دور على صفحة على الفيسبوك خاصة باليهود العراقيين الجيل الحديث من أبناء اليهود الذين سكنوا العراق يتحدثون بشغف عن العراق و ذكريات ابائهم فيه و العادات و التقاليد العراقية الذين استمدوها من أبائهم الذي عاشوا على ضفاف دجلة و الفرات اضافة الى ما وجدوه في الأرشيف اليهودي العراقي الذي أحيا الكثير من ذكريات و تقاليد ابائهم .